حتى المسجد لم يعد خادما للإسلام...
بقى جهاز مهم لا يتبع الإعلام ولا الثقافة ولا التعليم, وهو المسجد, وقد كان فيما مضى هو الملاذ الوحيد الباقى لأحرار العلماء والدعاة, ليقولوا فيه كلمتهم, ويبلغوا دعوتهم, وخصوصا المساجد الأهلية التي لا تخضع لهيمنة الحكومة, وإشراف وزارات الأوقاف الرسمية.
ولكن الحكومات تنبهت إلى خطر هذه المؤسسة وتأثيرها على فكر الشعب ووجدانه, إذا تهيأ للمسجد عالم متمكن صاحب رسالة, إنه يستطيع أن يقنع العقول, ويوقظ المشاعر, ويبعث العزائم, ويحرك الجماهير في الاتجاه الذي يؤمن به, ويكون مدرسة دينية مستنيرة حرة الإرادة والفكر, تأخذ عنه وتتلمذ عليه, وفي هذا خطر جسيم.
فكان ما تواصت به وزارات الأوقاف والشؤون الدينية في عدد من البلدان التي اتخذت من الإسلام الإيجابي موقف الخصومة الصريحة, وهو : إبعاد العناصر المتحركة المحركة من المساجد وجعل المساجد كلها تحت سلطان الدولة, أو دولة السلطان! وتعيين أئمة وخطباء لها يدورون في فلك الحكم, يمدحون ما يمدح, ويذمون ما يذم, وإن أمر بالمنكر ونهى عن المعروف, إن لم يكن اقتناعا, فخوفا وطمعا.
وهنا اكتملت حلقات السلسلة أو الطوق الذي يطوق الفكر الإسلامي الراشد, الملتزم بهدى الله تعالى, وهدى رسوله صلى الله عليه وسلم.
...الدكتور يوسف القرضاوي, الثقافة العربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة
No comments:
Post a Comment